<table cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0 hspace="0" vspace="0"><tr><td align=right width="99%">حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك قال حدثنا شعبة قال الوليد بن العيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول حدثنا صاحب هذه الدار وأشار إلى دار عبد الله قال
سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قال ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني
</TD>
<td align=right width="1%"></TD></TR></TABLE>
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله ( قال الوليد بن العيزار أخبرني )
هو على التقديم والتأخير .
قوله ( حدثنا صاحب هذه الدار )
كذا رواه شعبة مبهما , ورواه مالك بن مغول عند المصنف في الجهاد وأبو إسحاق الشيباني في التوحيد عن الوليد فصرحا باسم عبد الله , وكذا رواه النسائي من طريق أبي معاوية النخعي عن أبي عمرو الشيباني وأحمد من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه .
قوله ( وأشار بيده )
فيه الاكتفاء بالإشارة المفهمة عن التصريح وعبد الله هو ابن مسعود .
قوله ( أي العمل أحب إلى الله )
في رواية مالك بن مغول " أي العمل أفضل " وكذا لأكثر الرواة , فإن كان هذا اللفظ هو المسئول به فلفظ حديث الباب ملزوم عنه . ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه , أو بما لهم فيه رغبة , أو بما هو لائق بهم , أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره , فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال ; لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من أدائها , وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة , ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل , أو أن " أفضل " ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق , أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة . وقال ابن دقيق العيد : الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية , وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان ; لأنه من أعمال القلوب , فلا تعارض حينئذ بينه وبين حديث أبي هريرة " أفضل الأعمال إيمان بالله " الحديث . وقال غيره : المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين ; لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدما عليه .
قوله ( الصلاة على وقتها )
قال ابن بطال فيه أن البدار إلى الصلاة في أول أوقاتها أفضل من التراخي فيها ; لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب .
قلت : وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر , قال ابن دقيق العيد : ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء . وتعقب بأن إخراجها عن وقتها محرم , ولفظ " أحب " يقتضي المشاركة في الاستحباب فيكون المراد الاحتراز عن إيقاعها آخر الوقت . وأجيب بأن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال , فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله من غيرها من الأعمال ; فوقع الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبا لكن إيقاعها في الوقت أحب .
( تنبيه ) :
اتفق أصحاب شعبة على اللفظ المذكور في الباب وهو قوله " عن وقتها " وخالفهم علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال " الصلاة في أول وقتها " أحرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي من طريقه . قال الدارقطني : ما أحسبه حفظه ; لأنه كير وتغير حفظه .
قلت : ورواه الحسن بن علي المعمري في " اليوم والليلة " عن أبي موسى محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة كذلك . قال الدارقطني : تفرد به المعمري , فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ " على وقتها " ثم أخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة وهكذا رواه أصحاب غندر عنه , والظاهر أن المعمري وهم فيه ; لأنه كان يحدث من حفظه , وقد أطلق النووي في " شرح المهذب " أن رواية " في أول وقتها " ضعيفة ا ه , لكن لها طريق أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان عن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك , والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة , كذا أخرجه المصنف وغيره , وكأن من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد , ويمكن أن يكون أخذه من لفظة " على " ; لأنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت فيتعين أوله , قال القرطبي وغيره : قوله " لوقتها " اللام للاستقبال مثل قوله تعالى ( فطلقوهن لعدتهن أي مستقبلات عدتهن , وقيل للابتداء كقوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس وقيل بمعنى في , أي في وقتها . وقوله " على وقتها " قيل على بمعنى اللام ففيه ما تقدم وقيل لإرادة الاستعلاء على الوقت وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه .
قوله ( ثم أي )
قيل : الصواب أنه غير منون ; لأنه غير موقوف عليه في الكلام , والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما بعده خطأ , فيوقف عليه وقفة لطيفة ثم يؤتى بما بعده قاله الفاكهاني . وحكى ابن الجوزي عن ابن الخشاب الجزم بتنوينه ; لأنه معرب غير مضاف , وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف إليه محذوف لفظا , والتقدير : ثم أي العمل أحب ؟ فيوقف عليه بلا تنوين . وقد نص سيبويه على أنها تعرب ولكنها تبنى إذا أضيفت , واستشكله الزجاج .
قوله ( قال بر الوالدين كذا للأكثر وللمستملي " قال ثم بر الوالدين " بزيادة ثم , قال بعضهم : هذا الحديث موافق لقوله تعالى ( أن اشكر لي ولوالديك وكأنه أخذه من تفسير ابن عيينة حيث قال : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر لهما .
قوله ( حدثني بهن )
هو مقول عبد الله بن مسعود وفيه تقرير وتأكيد لما تقدم من أنه باشر السؤال وسمع الجواب .
قوله ( ولو استزدته )
يحتمل أن يريد من هذا النوع وهو مراتب أفضل الأعمال , ويحتمل أن يريد من مطلق المسائل المحتاج إليها , وزاد الترمذي من طريق المسعودي عن الوليد " فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني " فكأنه استشعر منه مشقة , ويؤيده ما في رواية لمسلم " فما تركت أن أستزيده إلا إرعاء عليه " أي شفقة عليه لئلا يسأم . وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين , وأن أعمال البر يفضل بعضها على بعض . وفيه السؤال عن مسائل شتى في وقت واحد , والرفق بالعالم , والتوقف عن الإكثار عليه خشية ملاله , وما كان عليه الصحابة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والشفقة عليه , وما كان هو عليه من إرشاد المسترشدين ولو شق عليه . وفيه أن الإشارة تتنزل منزلة التصريح إذا كانت معينة للمشار إليه مميز له عن غيره . قال ابن بزيزة : الذي يقتضيه النظر تقدم الجهاد على جميع أعمال البدن ; لأن فيه بذل النفس , إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بر الوالدين أمر لازم متكرر دائم لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصديقون , والله أعلم